فور تصديق القديسة مريم على أقوال الملاك " هوذا أنا أمة الرب .فليكن لى كقولك ..يقول الكتاب " فقامت مريم فى تلك الأيام وذهبت بسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا."لو1: 39 ‘ أية أيام هذه .؟.أيام مجيدة ‘أيام عظيمة فى تاريخ البشرية كلها ‘ حيث بهذه البشارة يبدأ الله فى تحقيق نبواته عن الخلاص المرتقب للنفس البشرية‘وهاهو رئيس الملائكة يرسل من الله ببشارتين عظيمتين الأولى بميلاد يوحنا المعمدان ‘ الملاك الذى يهيئ للرب طريقا أمامه ‘تحقيقا لنبوة إشعياء40: 3" صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب .قوموا فى القفر سبيلا لإلهنا." والثانية البشارة بميلاد المخلص ‘ وجاءت البشارتين بصورة مختلفة عن الأخرى ‘ البشارة الأولى حدثت فى الهيكل وعن يمين مذبح البخور ووسط جموع شعب بنى إسرائيل ‘ وللكاهن زكريا الواقف يخدم مذبح الله ‘ أما بشارة المخلص جائت الى مدينة الناصرة المجهولة ‘ حتى أنه لم يسمع عنها قبل ميلاد المسيح ‘ لا هيكل ولامذبح بل بيت بسيط يملكه يوسف النجار ولعذراء بسيطة‘ وهذا هو العجب فى التدبير الإلهى ‘ فقبوله بالميلاد على هذه الصورة من الإتضاع والبساطة والتخفى لأسباب أهمها ان يخفى عن الشيطان أمر ولادته حتى يتم الخلاص ويسحق رأس الحية على الصليب تحقيقا لوعده الإلهى. وقد يكون الإختيار الإلهى للعذراء مريم ان فيها بفضائلها وصفاتها ‘ من تواضع وسكوت وطاعة وإيمان بقول الرب ‘كان ذلك مساعدا فى عدم اكتشاف الشيطان أمر الميلاد الإعجازى حتى تم الصلب والخلاص‘ وهذا يوضح عظمة القديسة مريم وإستحقاقها قول اليصابات بعد أمتلائها من الروح القدس "مباركة أنت فى النساء"‘ حتى أنها كتمت الأمر الذى وصفه معلمنا بولس الرسول رو16: 25"السر الذى كان مكتوما فى ألأزمنة الأزلية ولكن ظهر الآن وأعلم به جميع الأمم." وقول القديس بطرس أع 3" الحكمة المكتومة التى سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا ‘ والتى لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد." . هذه القديسة الطاهرة البتول حفظت السر فى قلبها ‘ وتحققت مشيئة الله فى إختيارها ((وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به فى قلبها ."لو2: 19. وأيضا استحقت التطويب للتى آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب ." ياللعجب ..جاء السماوى وحل فى أحشائها بقوة الروح القدس ‘ المولود غير المخلوق ‘ القدوس ‘ لينفذ العدل الإلهى فى خلاص البشر‘ وهى تقوم بسرعة الى الجبال لتخدم نسيبتها اليصابات .
فصل إنجيل الأحد الثالث من شهر كيهك من بشارة معلمنا لوقا البشير الإصحاح الأول (الأعداد من 39-56)هو الجزء الثالث منه والذى يبدأ هكذا:
"فقامت مريم فى تلك الأيام وذهبت بسرعة الى الجبال إلى مدينة يهوذا . ودخلت بيت زكريا وسلمت على اليصابات . فلما سمعت اليصابات سلاك مريم إرتكض الجنين فى بطنها . وامتلأت اليصابات من الروح القدس. وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك."
وأول تأمل نراه فى رد فعل القديسة مريم لبشارة الملاك ‘الذى يبشرها أنها ستحبل وتلد ابنا وتسميه يسوع ولما سألته كيف يكون هذا وهى بتول قال لها .الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله. فقالت مريم هوذا انا أمة الرب .ليكن لى كقولك . ولكن الملفت انها اهتمت بقول الملاك بان نسيبتها اليصابات حبلى بابن فى شيخوختها ‘ حتى كان رد فعلها فورا ‘ وقامت مريم بسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا حيث نسيبتها حبلى ‘ فوجب خدمتها فى حبلها ‘ وهاهى القديسة مريم بعد ان أعطتنا المثل فى الإيمان والتسليم بكلام الله ‘ والطاعة والتواضع تعطينا مثال الخادمة ‘ حتى انها ولمدة ثلاثة شهور تخدم اليصابات ‘ اليس ذلك رسالة للبشرية كيف تخدم بعضها البعض ‘ فلم تهتم العذراء بالسفر من الجليل فى الشمال الى اليهودية فى الجنوب ‘ لم تفكر سوى انها ستقوم وتذهب لتخدم اليصابات ‘ الفتاة الصغيرة تخترق الجبال لتخدم نسيبتها فى شيخوختها.
تسبحة مريم
عندما صرخت اليصابات بقوة الروح القدس "مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك .فمن أين لى هذا ان تأتى ام ربى الي. ..فطوبى للتى آمنت أن يتم ماقيل لها من قبل الرب." وكان رد فعل القديسة مريم بكل إيمانها وتواضعها ‘ أن وقفت لتسبح الله ‘ قابلت هذه النعم الجزيلة بالحمد والتسبيح ‘ ولنتأمل معا فى تسبحتها :
1- فقالت مريم تعظم نفسي الرب ..
هكذا انطلق لسان العذراء بتسبيح الله وتعظمه ‘ فتحول قبولها لكلمة الله الى مستوى التسبيح الملائكى‘ وهذه هى العبادة لله ‘ التسبيح والحمد بنعمة الله المعطاة لنا وإعلان أسراره بفرح وسرور.
2- وتبتهج روحى بالله مخلصى ..
وهذا القول يحمل مفهوما لاهوتيا هاما ‘ فالقديسة مريم مع كل سموها وفضائلها فهى كسائر البشر فى حاجة الى خلاص الله وتبتهج به فى كل حياتها بهذا الخلاص ‘ والخلاص الممنوح لمن يؤمن هو خلاص من الخطية الأصلية الموروثة من سقطة آدم ‘ والخلاص من الموت ‘ والفداء من عبودية إبليس ‘ وميلادنا الجديد من الماءوالروح لنصبح أولاد الله وورثة مع إبنه الوحيد.
3- لأنه نظر الى اتضاع أمته..
لقد أدركت هذه الصبية الصغيرة سر تمتعها بالنعمة الإلهية ‘ فلم تقل أنه نظر الى صلواتها ‘ الى أصوامها وسهرها وحكمتها وتعبدها ‘ بل الى إتضاع أمته ‘ لتعلن لنا ان هذا هو طريق الحياة مع الحب مع ربنا يسوع المسيح ‘ بالإتضاع ننطلق به الى مراحم الله وغني رحمته.
4- فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى ..
لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس . ورحمته الى جيل الأجيال للذين يتقونه.:
لقد أدركت القديسة مريم عظمة العطية التى نالتها ‘ لأن واهب العطايا نفسه تحمله فى أحشائها ‘ لذا قالت بالنبوة "أن جميع المؤمنين عبر كل الأجيال يطوبونها من أجل نعمة الله لها . وهذا ماقرره الرب عنها بقوله " لأن من يصنع مشيئة الله هو أخى وأختى وأمى "مر3: 35. وأيضا قوله" طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه." لو11: 28
5- صنع قوة بذراعة . شتت المستكبري بفكر قلوبهم..
هنا يتضح تماما أن العذراء عارفة ومتفهمة بالكتب والنبوات لأنها قالت ذراع الرب ‘ لأن ذكر الكتاب فى نبواته عن التجسد رمز له بذراع الرب ‘ فتقول النبوة" استيقظى استيقظى البسى قوة ياذراع الرب " إش51: 9‘ وأيضا " قد شمر الرب عن ذراع قدسه أمام عيون كل الأمم فترى كل أطراف الأرض خلاص الهنا."اش52: 10 وأيضا تعلمت من الكتاب المقدس كيف شتت الرب المستكبرين بفكر قلوبهم ‘ وكيف اسقطهم إبليس وأغواهم بالتكبر فسقطوا فى الحضيض.
6- أنزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتواضعين ..
لقد غرق جنود ابليس وحكماء الأغريق وكتبة اليهود وفريسيهم فى بحر الكبرياء والغرور والعظمة والخيلاء الكاذبة ‘ فأذلهم الرب ‘ ورفع عليهم قوما إتضعت قلوبهم وخلصت ضمائرهم ‘ وقد منحهم السلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ‘ ولعل فى شخصية هيرودس الملك المتكبر المثل وكيف أنزله الله عن كرسيه ‘وكذلك شاول الملك وفى نفس الوقت رفع داود المتواضع من رعى الغنم الى ملك إسرائيل‘ الى أعلى الكراسى.
7- أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين ..
كان البشر فى جوع شديد لله ولكنهم أعوزهم مجد الله وفسدوا ‘ ووقع اليهود فى الغرور حتى قادهم الى هاوية الشموخ ‘ لقد هجروا ينبوع الماء الحي والخبز النازل من السماء‘ أما الذين آمنوا به أشبعهم خيرات واستحقوا التطويب" طوبى للجياع والعطاش الى البر.لأنهم يشبعون."مت5: 6.
8- عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة..
لم يعضد اسرائيل حسب الجسد الذين إمتلئوا كبرياء وسلفا على الأيمان بمواعيد الله ‘ وبالمسيا المنتظر الذى جاء لخلاصهم ‘ بل إسرائيل بالروح وهم الذين قبلوه وآمنوا به أعطاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله.
9- كما كلم آباءنا ..لابراهيم ونسله الى الأبد..
وهم الذين تنبأ عنهم الرب حسب وعده لابراهيم "ويتبارك فى نسلك جميع قبائل الأرض" وهكذا مجدت السيدة العذراء الله على قدرته ‘ على قداسته ‘ على رحمته ‘ على امانته وعدله فى تنفيذ وعودة .
ليعطينا الرب اليوم بشفاعة القديسة مريم القلب النقى والروح الحارة لإستقبال كلمة الله المتجسد ‘ ويعطينا الأذن السامعة لكلمة الله الحية ‘لتعلمنا الطاعة الكاملة لوصاياه ‘ والحضور الدائم لكلمته فى قلوبنا وضمائرنا ‘لنكون رائحة ذكية لربنا يسوع المسيح.أمين.
0 comments:
إرسال تعليق