رشا عزب
دقت ساعة الخوف.. قبور تخرج من شاشات التليفزيون وعذاب يطل من كل صوت.. نار موقدة تنتظرنا دائما.. وموعد لا ينتهي مع الجزاء والعقاب.. هكذا حول شيوخ السلفية حياة المصريين.. فور أن تفتح شاشات التليفزيون لا تستطيع أن تقاوم خطاب الكراهية المندفع كالشلال.. يمكن أن تنجرف لبعيد ويمكن أن تغرق وفي الغالب ستعيش مؤرق الضمير علي ما تفعله او تشعر به..
التليفزيون الذي نحتفي بمرور خمسين عاما علي ظهوره في حياة المصريين.. لم يعد مجرد كيان ثقافي وتنويري يشيع اجواء من البهجة.. بل تحول الي قنبلة تنفجر في وجوهنا صباحا ومساء.. يمكن لأي مجموعة ان تمتلك محطة فضائية تنشر من خلالها ما تريد من أفكار.. يمكن لأي تيار ديني أن يلعب في كل المساحات وينثر رياح التحريم والتجريم.. فقنوات مثل الناس والرحمة تصوب مدافعها علينا من خلال مواقعها المتميزة علي قمرنا الصناعي المصري"نايل سات"وبمباركة ضمنية من المؤسسة الدينية الرسمية في مصر والتي تراجع دورها بالمقارنة بدور الفضائيات الإسلامية.. في السنوات الأخيرة نخرت الظاهرة في عظامنا كالسوس.. وتجسدت بأقبح اشكالها علي الإطلاق.. وتزعم ابو اسحاق الحويني ومحمد حسين يعقوب وخالد عبدالله ووجدي غنيم تيار الردة عن كل ما انجزته مصر خلال كل العصور الماضية.. قاد فريق دعاة الفضائيات واصحاب الفتاوي الجاهزة والتفصيل موجة الوهابية الحارة القادمة الينا من صحراء الجزيرة العربية عبر اموال النفط ورائحة الجاز.. وحين تفوق الدعاة علي انفسهم وتسابقوا في الوصول الي اكبر قدر من الفتاوي الكارهة للدنيا والناس والمرأة والأقباط ورجال السياسة وحتي القيم التي انجزناها من زمن فيتم التعامل معها علي أنها"بدعة".. ولذلك كله تحرك عدد من الشباب المصري وأسسوا مجموعة علي الفيس بوك تحت اسم"الحملة المصرية لإغلاق قنوات التطرف" وتحمل شعار"اوقفوا بثها رحمة بمصر".. بدأت المجموعة بعشرات ووصل الآن عدد اعضائها الي 2874 . والفكرة الرئيسية التي اعتمد عليها الجروب هي فكرة تجميع أكبر عدد ممكن من الفيديوهات لشيوخ الفضائيات اثناء حديثهم التليفزيوني عن بعض القضايا العادية والشائكة.. وبعض ارائهم التي تصنف بالطبع الي حد الفتاوي الدينية الصريحة.. واشتمل موقع المجموعة علي الفيس بوك علي فيديوهات قصيرة لابو اسحاق الحويني وحسين يعقوب ووجدي غنيم واحمد النقيب وخالد عبدالله.. وكلها بلا استثناء فيديوهات صادمة وكاشفة عن حجم الخراب الذهني الذي تحدثه هذه الاراء ليلا ونهارا.. تعرف مجموعة الحملة المصرية لإغلاق قنوات التطرف نفسها بأنها مجموعة تشعر بالغضب مما تبثه قنوات التطرف الإسلامي من كراهية لغير المسلمين كما أنها تنظر للمرأة بصورة متدنية، كما يقوم شيوخ هذه الفضائيات بتغذية الدعوات الجهادية ضد من يسمونهم الكفار ويعملون علي تربية جيل جديد من الارهابيين. وتدعو هذه المجموعة لحشد المصريين لوقف هذه القنوات.
من بين كل الكليبات الموجودة علي موقع الحملة، تجلي الحديث عن الدكتور محمد البرادعي ودارت حوله الاشتباكات التي تصل الي تكفيره.. ففي برنامج"سهرة خاصة"الذي يقدمه الداعية خالد عبدالله علي قناة الناس نال البرادعي نصيبا وافرا من الاتهامات فقال الداعية انه جاء علي الدبابة الأمريكية بحجة الإصلاح.. والإصلاح يعني تغيير المادة الثانية من الدستور المصري التي تؤكد أن الدين الإسلامي المصدر الرئيسي للحكم.. كما شن الداعية"احمد النقيب"في سلسلة كليبات أخري من قنوات مختلفة هجوما علي البرادعي من منطلق ان البرادعي الذي قابل"النصاري"- كما جاء بنص حديثه- وذهب اليهم في الكاتدرائية يعتبر عميلا امريكيا يغازل النصاري من اجل الوصول الي حكم مصر، بعدما جاء من الخارج وأكل من فتات أسياده - وفقا للحديث- فشيوخ الفضائيات لم يكتفوا بالإفتاء في الأمور الدينية بل دخلوا ايضا علي ملعب السياسة في توافق مدهش مع توجهات الدولة في قضية ترشيح الدكتور البرادعي للرئاسة، وبذلك يستكمل"كهنة آمون"رسالتهم التاريخية التي تتلخص في السيطرة علي الرعية ومساندة الطغاة من جانب آخر. اذا وصلنا "بأسد السنة النبوية" وهو اللقب المحبب الي قلب ابواسحاق الحويني صاحب اغرب المعارك الفقية.. سنجده يتصدر قائمة الأئمة المنتشرين علي القنوات الدينية فهو يلقي محاضراته علي شاشات مختلفة مثل قناتي الناس والصفا واحيانا يحل ضيفا علي باقي القنوات بالإضافة الي عدد من تسجيلات المساجد واللقاءات الضيقة التي يتم تسجيلها ووضعها علي موقعه الخاص او علي اليوتيوب.. اغرب الفتاوي الحديثة للحويني وصلت الي حد تحريم الألتحاق بكليات الحقوق علي المسلمين وقال الشيخ"لقد افتي علماؤنا المعاصرون بالامتناع عن دخول كليات الحقوق لأن الحكم بالأحكام الوضعية حرام شرعا.. وحتي الحكم في القضايا المتعلقة بالاحوال الشخصية والتي يستند بعضها الي بعض النصوص الدينية فله مرجعية وضعية ايضا.. ويضيف الشيخ.."قد يطرح علي شخص سؤالا غبيا وقال اذا لم ندخل كليات الحقوق فسوف يدخلها حنا وجرجس وفي النهاية يتحكمون في المنازعات بين الناس، لكنني ارد عليهم أن هذا لن يحدث اصلا".. فتوي تحريم دخول كلية الحقوق، لم تكن أكثر صدمة من الكليب الثاني للحويني والذي سجل له في إحدي لقاءاته بالمساجد وكان يتحدث عن الاحتفال بعيد شم النسيم.. الشيخ بدا منفعلا وثائرا علي المسلمين الذين يخرجون الي الشارع في هذا اليوم ليشموا النسيم مع زوجاتهم وابنائهم وقال الشيخ بالنص"كيف تخرج السيدة المنتقبة يوم شم النسيم ؟ واين زوجها من هذا الفعل؟ إن الخروج في مثل هذا اليوم حرام من يبيع البيض او الفسيخ او الرنجة او حتي المياه فهو آثم ورزقه حرام ايضا.. يستكمل الحويني حديثه الشديد اللهجة لمستمعيه ويقول لهم"كثير من الناس الذين يصلون في هذا المسجد وغيره يعرفون أن الخروج في مثل هذا اليوم حرام ومع ذلك يفعلون.. فمتي خرج العوام من أيدي علمائهم.. ضاعوا.. من لكم غيرهم.. فهم الذين يهبون لكم حياتهم ويقولون لكم الجنة من هنا والنار من هنا ويدلولنكم علي طريق الله مجانا".. اعرف أن هذه الكلمات لا تحتاج الي تعليق.. فهذا هو نوع الخطاب الذي ينشره الشيخ صاحب الصوت الآمر والذي يتصور انه يعيش في العصور الوسطي بأوروبا المظلمة ويمتلك فيها"صكوك الغفران".. يقوم بالتحريض المباشر علي الدولة المدنية ومؤسساتها.. تحريض مباشر علي كراهية"حنا وجرجس"وفي النهاية تحريض مباشر علي المجتمع وثقافته.. فما هو الفرق إذن بين خطاب جماعات التكفير والهجرة وبين خطاب الشيخ الحويني الذي ينطلق بين الفضائيات.
0 comments:
إرسال تعليق