مارسيل عيراني - خاص النشرة
يوسف مخلوف... اسم مألوف على اللبنانيين وعلى عدد كبير من الناس حول العالم. هو اسم رجل عرف كيف يتّضع فرفعه الله على عرش القداسة ليصبح على كل لسان رمزاً للصلاة والتقوى والتقشف والإتحاد بالخالق.
في 15 تموز 2012، تحتفل الكنيسة المارونية بعيد هذا القديس الكبير في كل رعاياها في لبنان والإنتشار ، وهي مناسبة لنلقي فيها الضوء على جانب من حياة مار شربل. فالكثيرون يرددون تراتيله عن ظهر قلب، وكثيرون أيضاً يعرفون تفاصيل حياته، وكثيرون هم الذين لديهم إلمام كبير بالعجائب التي جرت بشفاعته. ولكن، لماذا اختار هذا القديس أن يصبح اسمه الرهباني "شربل"؟
سؤال، وجدنا الإجابة عنه في "معاد"، إحدى قرى قضاء جبيل. ففي تلك القرية التي تبعد 45 دقيقة عن بيروت، إرث أثري كبير قدّره القديس شربل دون أن يعرفه ونحن تجاهلناه حتى العام 2009... وهو كنيسة القديس شربل الشهيد الأثرية.
تخبرنا غالية، وهي المسؤولة عن الحفاظ على هذه الكنيسة وهي المؤتمنة على مفاتيحها أنه "حين كان يوسف مخلوف (مار شربل) طالباً في دير كفيفان، رأى في الليل نوراً في التلة المقابلة، فسأل: من أين هذا النور؟ فقالوا له: من كنيسة مار شربل. وعندما سأله رئيس دير كفيفان عن الإسم الذي يريده لحياته الرهبانية، قال له: أختار شربل!". وتؤكد غالية أن "كل من في دير كفيفان يعرف أن القديس شربل اختار اسم شفيع كنيسة معاد ليكون اسمه الرهباني". فما سرّ هذه الكنيسة؟ ومن هو شربل الشهيد؟
سؤال، وجدنا الإجابة عنه في "معاد"، إحدى قرى قضاء جبيل. ففي تلك القرية التي تبعد 45 دقيقة عن بيروت، إرث أثري كبير قدّره القديس شربل دون أن يعرفه ونحن تجاهلناه حتى العام 2009... وهو كنيسة القديس شربل الشهيد الأثرية.
تخبرنا غالية، وهي المسؤولة عن الحفاظ على هذه الكنيسة وهي المؤتمنة على مفاتيحها أنه "حين كان يوسف مخلوف (مار شربل) طالباً في دير كفيفان، رأى في الليل نوراً في التلة المقابلة، فسأل: من أين هذا النور؟ فقالوا له: من كنيسة مار شربل. وعندما سأله رئيس دير كفيفان عن الإسم الذي يريده لحياته الرهبانية، قال له: أختار شربل!". وتؤكد غالية أن "كل من في دير كفيفان يعرف أن القديس شربل اختار اسم شفيع كنيسة معاد ليكون اسمه الرهباني". فما سرّ هذه الكنيسة؟ ومن هو شربل الشهيد؟
سيرة حياته
لا نعرف سوى القليل عن سيرة حياة هذا الشهيد، الذي هو من مسيحيي القرن الأول. حتى أن ما تم تناقله عنه في الكتب القديمة يعتبر من السير الملحمية التي تهدف إلى تعليم المؤمنين أكثر من رواية أحداث تاريخية محددة ودقيقة.
فقد كان من الرها، شيخاً وكاهناً للأوثان. آمن بالمسيح واعتمد هو وشقيقته برابيا على يد أسقف الرها برسميا. فأحضره والي البلد واستنطقه فأقر بأنه مسيحي فأمر بجلده ثم بطرحه في بئر ثم بتمزيق جسده وظل صابراً يشكر الله. وأخيراً علقوه على الصليب منكسا وسمروا رأسه على الصليب وأسلم الروح، وذلك في بداية القرن الثاني. أما اخته، فسارت خلفه أيضاً في طريق الشهادة صابرة على أقصى العذابات وقطعوا رأسها. تعيّد الكنيسة المارونية عيده في 5 أيلول، وورد ذكره أيضاً في السنكسار الأرثوذكسي. وتجدر الإشارة إلى أن شخصية مار شربل الرهاوي متعلقة جداً بجذور البيئة السريانية، إذ إن اسمه ووطنه وأماكن إكرامه كلها سريانية.
اسمه بالعبرية يعني: "شر- رئيس، بيل-اسم صنم عند أهل بابل"، أما بالسريانية فيعني: "شرب: خبر، إيل: الله. وكلمة شربل السريانية تعني السروال. وكلمة شربيل هي مرادفة للشربين وهو نوع من الأشجار".
إذاً، تتعدد معاني هذا الإسم كما تتعدد المصادر التاريخية التي تخبر عن قصّته إذ لا وجود لمرجعية ومخطوطات أكيدة عن حياته رغم وجود تكريمه في المخطوطات المارونية القديمة، وهذا التكريم قد تناقلته الأجيال المسيحية المشرقية الأولى حتى وصل إلى المارونية، وذلك يتجلى ببناء مسيحيي القرون الأولى كنيسة في معاد على اسمه.
لا نعرف سوى القليل عن سيرة حياة هذا الشهيد، الذي هو من مسيحيي القرن الأول. حتى أن ما تم تناقله عنه في الكتب القديمة يعتبر من السير الملحمية التي تهدف إلى تعليم المؤمنين أكثر من رواية أحداث تاريخية محددة ودقيقة.
فقد كان من الرها، شيخاً وكاهناً للأوثان. آمن بالمسيح واعتمد هو وشقيقته برابيا على يد أسقف الرها برسميا. فأحضره والي البلد واستنطقه فأقر بأنه مسيحي فأمر بجلده ثم بطرحه في بئر ثم بتمزيق جسده وظل صابراً يشكر الله. وأخيراً علقوه على الصليب منكسا وسمروا رأسه على الصليب وأسلم الروح، وذلك في بداية القرن الثاني. أما اخته، فسارت خلفه أيضاً في طريق الشهادة صابرة على أقصى العذابات وقطعوا رأسها. تعيّد الكنيسة المارونية عيده في 5 أيلول، وورد ذكره أيضاً في السنكسار الأرثوذكسي. وتجدر الإشارة إلى أن شخصية مار شربل الرهاوي متعلقة جداً بجذور البيئة السريانية، إذ إن اسمه ووطنه وأماكن إكرامه كلها سريانية.
اسمه بالعبرية يعني: "شر- رئيس، بيل-اسم صنم عند أهل بابل"، أما بالسريانية فيعني: "شرب: خبر، إيل: الله. وكلمة شربل السريانية تعني السروال. وكلمة شربيل هي مرادفة للشربين وهو نوع من الأشجار".
إذاً، تتعدد معاني هذا الإسم كما تتعدد المصادر التاريخية التي تخبر عن قصّته إذ لا وجود لمرجعية ومخطوطات أكيدة عن حياته رغم وجود تكريمه في المخطوطات المارونية القديمة، وهذا التكريم قد تناقلته الأجيال المسيحية المشرقية الأولى حتى وصل إلى المارونية، وذلك يتجلى ببناء مسيحيي القرون الأولى كنيسة في معاد على اسمه.
جدرانيات الكنيسة... فنّ محلي أصيل
بعد 15 كم صعوداً في الجانب الشمالي-الشرقي من جبيل، عبر الطريق المؤدية إلى جدّايل وغرزوز، تصل إلى كنيسة معاد التاريخية. هي تاريخية وأثرية إذ إن المواد والأدوات التي وجدت فيها تدلّ على أن حقبات عدة مرت عليها: فقد بنيت على أنقاض معبد روماني قديم، ولا يستبعد علماء الأثار فرضية أن يكون هذا المعبد الروماني قد بني هو بدوره على أنقاض معبد فينيقي حيث أن التراكم الحضاري غالباً ما كان يدفع إلى إقامة المعابد على أنقاض معابد أخرى.
وتحتوي هذه الكنيسة على إرث ثمين وهو كناية عن مجموعة جدرانيات "من أجمل ما رسمته الكنائس الشرقية" بحسب ندى الحلو، العضو المؤسس في جمعية المحافظة على جدرانيات الكنائس القديمة في لبنان، التي تؤكد أن "هذا الفن هو لبناني 100% وليس متأثراً بأي شيء "من برّا"، أي إنه لم يحتكّ بالفن الصليبي أو بأي فن ديني غربي. فأهل القرى هم الذين رسموه، وبالتالي فهو فنّ محلّي أصيل، ولكنه للأسف مهمل ومتروك ولم يسمع به أحد".
وتخبر إحدى السيدات في القرية أنها عندما كانت صغيرة كانت تلعب مع رفاقها في جوار الكنيسة وكانت تدخل إليها أيضاً وتزيل الطلاء عن الجدرانيات"، إذ إنها لم تكن تعرف أن هذا شيء له قيمة، بل كانت تظن أنه "قديم ولا حاجة لنا منه".
وتوضح حلو أن "كنيسة بيزنطية بنيت على أنقاض المعبد الروماني، ومن ثم تم بناء الكنيسة على أيام الصليبيين ولكنها كنيسة محلية لأن أهل معاد بنوها وزينوها".
وتشرح أنه "عندما رأينا أن أحداً لن يتحرك وأن هذا الإرث معرض للخطر، تجمعنا، أنا وبعض المهتمين في هذا المجال، وأسسنا جمعية لنرمم هذه الجدرانيات ولننقذ الكنائس الشرقية من خسارة إرثها الفني. وبعد تأمين الموراد المالية الكافية، قامت مجموعة من الأثريين البولونيين بترميم ما بقي، واستمر الأمر معهم حوالي العامين لأن الجدرانيات كانت قد تضررت كثيراً عبر العصور، بسبب الإنسان والعوامل الطبيعية.
وعن أهمية مقامات كهذه لتفعيل السياحة الدينية في لبنان، توضح أن "الجمعية ترمم وتقدم الملفات الجاهزة لوزارة السياحة، لكن لا يتم الإستفادة منها كما يجب".
ويؤكد وجود هذه الكنيسة على تل أثري، وهو أعلى نقطة في معاد بعد تل "دير الراس"، الدور المهم الذي لعبته هذه البلدة الجبيلية في التاريخ اللبناني حيث أن الشعوب التي عاشت على أرضها خلفت أثاراً تعكس حضارتها. وتجدر الإشارة إلى أن كنيسة مار شربل تطل من الجهة الشمالية الشرقية على وادي حربا الذي شكل أحد المراكز النسكية المهمة جدا في تاريخ الجبل اللبناني.
بعد 15 كم صعوداً في الجانب الشمالي-الشرقي من جبيل، عبر الطريق المؤدية إلى جدّايل وغرزوز، تصل إلى كنيسة معاد التاريخية. هي تاريخية وأثرية إذ إن المواد والأدوات التي وجدت فيها تدلّ على أن حقبات عدة مرت عليها: فقد بنيت على أنقاض معبد روماني قديم، ولا يستبعد علماء الأثار فرضية أن يكون هذا المعبد الروماني قد بني هو بدوره على أنقاض معبد فينيقي حيث أن التراكم الحضاري غالباً ما كان يدفع إلى إقامة المعابد على أنقاض معابد أخرى.
وتحتوي هذه الكنيسة على إرث ثمين وهو كناية عن مجموعة جدرانيات "من أجمل ما رسمته الكنائس الشرقية" بحسب ندى الحلو، العضو المؤسس في جمعية المحافظة على جدرانيات الكنائس القديمة في لبنان، التي تؤكد أن "هذا الفن هو لبناني 100% وليس متأثراً بأي شيء "من برّا"، أي إنه لم يحتكّ بالفن الصليبي أو بأي فن ديني غربي. فأهل القرى هم الذين رسموه، وبالتالي فهو فنّ محلّي أصيل، ولكنه للأسف مهمل ومتروك ولم يسمع به أحد".
وتخبر إحدى السيدات في القرية أنها عندما كانت صغيرة كانت تلعب مع رفاقها في جوار الكنيسة وكانت تدخل إليها أيضاً وتزيل الطلاء عن الجدرانيات"، إذ إنها لم تكن تعرف أن هذا شيء له قيمة، بل كانت تظن أنه "قديم ولا حاجة لنا منه".
وتوضح حلو أن "كنيسة بيزنطية بنيت على أنقاض المعبد الروماني، ومن ثم تم بناء الكنيسة على أيام الصليبيين ولكنها كنيسة محلية لأن أهل معاد بنوها وزينوها".
وتشرح أنه "عندما رأينا أن أحداً لن يتحرك وأن هذا الإرث معرض للخطر، تجمعنا، أنا وبعض المهتمين في هذا المجال، وأسسنا جمعية لنرمم هذه الجدرانيات ولننقذ الكنائس الشرقية من خسارة إرثها الفني. وبعد تأمين الموراد المالية الكافية، قامت مجموعة من الأثريين البولونيين بترميم ما بقي، واستمر الأمر معهم حوالي العامين لأن الجدرانيات كانت قد تضررت كثيراً عبر العصور، بسبب الإنسان والعوامل الطبيعية.
وعن أهمية مقامات كهذه لتفعيل السياحة الدينية في لبنان، توضح أن "الجمعية ترمم وتقدم الملفات الجاهزة لوزارة السياحة، لكن لا يتم الإستفادة منها كما يجب".
ويؤكد وجود هذه الكنيسة على تل أثري، وهو أعلى نقطة في معاد بعد تل "دير الراس"، الدور المهم الذي لعبته هذه البلدة الجبيلية في التاريخ اللبناني حيث أن الشعوب التي عاشت على أرضها خلفت أثاراً تعكس حضارتها. وتجدر الإشارة إلى أن كنيسة مار شربل تطل من الجهة الشمالية الشرقية على وادي حربا الذي شكل أحد المراكز النسكية المهمة جدا في تاريخ الجبل اللبناني.
الكنيسة بيزنطية وهندستها تعود للقرون المسيحية الأولى
تدخل الكنيسة عبر رواق أضيف إليها في فترة لاحقة، وهو يحوي اليوم قطعاً أثرية عثر عليها في الجوار كقواعد أعمدة وصفائح مدفنية وقطع فسيفساء تعود للقرن الثالث والرابع، وبعضها من العصر البيزنطي.
يقسّم صفان من القناطر مساحة الكنيسة إلى ثلاثة أجنحة، وجزء من البلاط القديم الذي ما زال موجوداً فيها يعود إلى المعبد الروماني كما والفتحة المستديرة التي تتوسط الرواق على مستوى الذبح. وإلى الشرق، نلمح حنيتي الكنيسة متراكبتان، وهو "أمر نادر وفريد يسمح بالتخمين أن بناء الكنيسة مرّ بعدة مراحل، حيث أن الحنية السفلى تنتمي إلى الكنيسة الأقدم".
وهناك مدخلان، على جهتي الحنية المركزية للكنيسة، يقودان إلى صالتين ملحقتين مستطيلتين، وتحفظ الصالة اليمنى طبقات عدّة من الرسوم الجدرانية على الحائطين الجنوبي والشمالي، التي جرى العمل على ترميمها عام 2009 و2010 من قبل المجموعة البولونية.
وتحمل هذه الجدرانيات إرثاً كبيراً كما أشرنا سابقاً رغم أنها أيقونات بيزنطية وبالتالي، هي شبيهة بأيقونات تروي المشهد الإنجيلي نفسه في كنائس أخرى إلا أنها فريدة من نوعها أيضاً. وفي هذا الإطار، توضح حلو أن "الفن البيزنطي يمنع التغيير في الأيقونة لذلك، فإن ما نجده في كنيسة معاد هو أيقونة ثابتة وغير صالحة للتغيير، ولكنها مميزة في طريقة رسمها"، شارحة أن "هذا الفن، كله مستمد من التراث البيزنطي لكنه رسم بلون محلّي، ويتميز بطابعه الأصيل النابع من الأرض والشعب، وما يفقد أصالته لا يعود فناً". وتعطي حلو مثالا على أحد ما يميز هذه جدرانية رقاد العذراء وجود "راهبين على جانبي المسيح يحملان شموعا طويلة وهما موجودان فقط في معاد ويلعبون دور مساعدي المسيح أو دور الشماس".
ومشهد رقاد العذراء هذا يمتد على الحائط الجنوبي للغرفة المستطيلة اليمنى. ويضم هذا المشهد الرسل في حالة من الحزن حول نعشها وأسماؤهم مكتوبة بالأحرف السريانية. ونجد من بينهم شخصية إكليريكية رفيعة المستوى لم يتم تحديد هويتها. ويصوّر المسيح في الوسط وهو يتأمل بروح والدته الممثلة بصورة طفلة مقمطة بلفائف بيضاء وذلك لأن العذراء لم تمت بل انتقلت إلى السماء. وفي الجدرانية أيضاً، نجد ملاكين بتحضران لإستقبال هذه الروح في السموات، وإلى جانبي المسيح يقف الشماسان اللذان يحملان شمعدان مضاء كدليل على الخدمة الجنائزية. وعلى الجهة الأخرى للمشهد وإلى الأعلى يظهر رسولان، يقال أنهما حضرا متأخرين إلى مكان رقاد العذراء، وهما بارتلماوس وتوما، وفق ما يؤكده التقليد الكنسي. وإلى أسفل النعش، نجد أيضاً مشهداً غالباً ما يرافق جدرانيات رقاد العذراء: جيفونياس اليهودي من أورشليم الذي لم يصدق انتقال العذراء، فأراد قلب السرير حين ظهر ملاك وقطع بالسيف يديه، وعلى اليمين، نجد واهب الجدرانية راكعاً، ويرجحّ أنه كاهنا من لباسه.
هذا ما يظهر على الجهة اليمنى من الغرفة، أما على الجهة اليسرى لهذه الجدرانية، فنجد رسماً لمار يعقوب من أورشليم، وتعرف عليه الكتابة اليونانية بالقرب من وجهه.
الحائط الشمالي يتوسطه فتحة صغيرة مستطيلة الشكل كانت تستخدم لحفظ رفاة مار شربل الرهاوي لكن هذه الرفاة فقدت في ما بعد. وهو كالحائظ الجنوبي، يحمل أيضاً رسومات، وعلى الطبقة القديمة للرسم نجد صورة لأسقف تواجهه قديسة شهيدة، ومن المرجح أن يكونا إما القديسة هيلانة والأمبراطور قسطنطين ابنها، أو القديسين قبريانس وجوستينا، أو مار شربل وشقيقته الشهيدة. وتحت هذه الصورة نرى رجلا راكعاً متضرعاً، وهو واهب الصورة.
وفي وسط الطبقة الثانية من الطلاء، وهي الأكثر حداثة، نرى مار ميخائيل رئيس الملائكة حاملاً رمحاً وفي يده اليسرى كرة فيها وجه المسيح، وإلى اليسار نرى وجه أسقف وهو يرتدي التاج اللاتيني والبطرشان الشرقي، وتقف قديسة شهيدة في الناحية المقابلة وهي أيضاً مجهولة الهوية. ويسجد إلى اليسار على العمود واهب الجدرانية وهو كاهن.
ومن المرجح بحسب المتخصصين، أن يكون هذا المكان قد شكّل نذراً لخلاص نفوس من وهب هذه الجدرانيات، لأن الصور والمشاهد تدل على ذلك: فالقديسين يمثلون صفة الحاميين ووجود مار ميخائيل وازن الأرواح يوم الدينونة ومشهد رقاد العذراء... كل هذه العناصر توحي برمزية جنائزية ونذرية.
وفي الكنيسة أيضاً معالم مهمة أخرى تدفع بعدد كبير من السائحين إلى "تكبّد عناء التوجه إلى معاد" لرؤيتها. وتؤكد غالية أنها "تستقبل سنوياً عدداً كبيراً جداً من السواح الأجانب: من إيطاليا وإسبانيا وكندا وفرنسا وكل الدول... فهذه الكنيسة هي "القيمة الكبيرة لقريتنا".
وقد قال أحد الشعراء في معاد بمناسبة عيد مار شربل الرهاوي عام 1989: "وحدا الكنيسة بتختصر ضيعتنا"... وقد تكون هذه الكنيسة اختصاراً لحضارتنا أيضاً... ولتاريخ كاد الإهمال والجهل أن يمحيه.
تدخل الكنيسة عبر رواق أضيف إليها في فترة لاحقة، وهو يحوي اليوم قطعاً أثرية عثر عليها في الجوار كقواعد أعمدة وصفائح مدفنية وقطع فسيفساء تعود للقرن الثالث والرابع، وبعضها من العصر البيزنطي.
يقسّم صفان من القناطر مساحة الكنيسة إلى ثلاثة أجنحة، وجزء من البلاط القديم الذي ما زال موجوداً فيها يعود إلى المعبد الروماني كما والفتحة المستديرة التي تتوسط الرواق على مستوى الذبح. وإلى الشرق، نلمح حنيتي الكنيسة متراكبتان، وهو "أمر نادر وفريد يسمح بالتخمين أن بناء الكنيسة مرّ بعدة مراحل، حيث أن الحنية السفلى تنتمي إلى الكنيسة الأقدم".
وهناك مدخلان، على جهتي الحنية المركزية للكنيسة، يقودان إلى صالتين ملحقتين مستطيلتين، وتحفظ الصالة اليمنى طبقات عدّة من الرسوم الجدرانية على الحائطين الجنوبي والشمالي، التي جرى العمل على ترميمها عام 2009 و2010 من قبل المجموعة البولونية.
وتحمل هذه الجدرانيات إرثاً كبيراً كما أشرنا سابقاً رغم أنها أيقونات بيزنطية وبالتالي، هي شبيهة بأيقونات تروي المشهد الإنجيلي نفسه في كنائس أخرى إلا أنها فريدة من نوعها أيضاً. وفي هذا الإطار، توضح حلو أن "الفن البيزنطي يمنع التغيير في الأيقونة لذلك، فإن ما نجده في كنيسة معاد هو أيقونة ثابتة وغير صالحة للتغيير، ولكنها مميزة في طريقة رسمها"، شارحة أن "هذا الفن، كله مستمد من التراث البيزنطي لكنه رسم بلون محلّي، ويتميز بطابعه الأصيل النابع من الأرض والشعب، وما يفقد أصالته لا يعود فناً". وتعطي حلو مثالا على أحد ما يميز هذه جدرانية رقاد العذراء وجود "راهبين على جانبي المسيح يحملان شموعا طويلة وهما موجودان فقط في معاد ويلعبون دور مساعدي المسيح أو دور الشماس".
ومشهد رقاد العذراء هذا يمتد على الحائط الجنوبي للغرفة المستطيلة اليمنى. ويضم هذا المشهد الرسل في حالة من الحزن حول نعشها وأسماؤهم مكتوبة بالأحرف السريانية. ونجد من بينهم شخصية إكليريكية رفيعة المستوى لم يتم تحديد هويتها. ويصوّر المسيح في الوسط وهو يتأمل بروح والدته الممثلة بصورة طفلة مقمطة بلفائف بيضاء وذلك لأن العذراء لم تمت بل انتقلت إلى السماء. وفي الجدرانية أيضاً، نجد ملاكين بتحضران لإستقبال هذه الروح في السموات، وإلى جانبي المسيح يقف الشماسان اللذان يحملان شمعدان مضاء كدليل على الخدمة الجنائزية. وعلى الجهة الأخرى للمشهد وإلى الأعلى يظهر رسولان، يقال أنهما حضرا متأخرين إلى مكان رقاد العذراء، وهما بارتلماوس وتوما، وفق ما يؤكده التقليد الكنسي. وإلى أسفل النعش، نجد أيضاً مشهداً غالباً ما يرافق جدرانيات رقاد العذراء: جيفونياس اليهودي من أورشليم الذي لم يصدق انتقال العذراء، فأراد قلب السرير حين ظهر ملاك وقطع بالسيف يديه، وعلى اليمين، نجد واهب الجدرانية راكعاً، ويرجحّ أنه كاهنا من لباسه.
هذا ما يظهر على الجهة اليمنى من الغرفة، أما على الجهة اليسرى لهذه الجدرانية، فنجد رسماً لمار يعقوب من أورشليم، وتعرف عليه الكتابة اليونانية بالقرب من وجهه.
الحائط الشمالي يتوسطه فتحة صغيرة مستطيلة الشكل كانت تستخدم لحفظ رفاة مار شربل الرهاوي لكن هذه الرفاة فقدت في ما بعد. وهو كالحائظ الجنوبي، يحمل أيضاً رسومات، وعلى الطبقة القديمة للرسم نجد صورة لأسقف تواجهه قديسة شهيدة، ومن المرجح أن يكونا إما القديسة هيلانة والأمبراطور قسطنطين ابنها، أو القديسين قبريانس وجوستينا، أو مار شربل وشقيقته الشهيدة. وتحت هذه الصورة نرى رجلا راكعاً متضرعاً، وهو واهب الصورة.
وفي وسط الطبقة الثانية من الطلاء، وهي الأكثر حداثة، نرى مار ميخائيل رئيس الملائكة حاملاً رمحاً وفي يده اليسرى كرة فيها وجه المسيح، وإلى اليسار نرى وجه أسقف وهو يرتدي التاج اللاتيني والبطرشان الشرقي، وتقف قديسة شهيدة في الناحية المقابلة وهي أيضاً مجهولة الهوية. ويسجد إلى اليسار على العمود واهب الجدرانية وهو كاهن.
ومن المرجح بحسب المتخصصين، أن يكون هذا المكان قد شكّل نذراً لخلاص نفوس من وهب هذه الجدرانيات، لأن الصور والمشاهد تدل على ذلك: فالقديسين يمثلون صفة الحاميين ووجود مار ميخائيل وازن الأرواح يوم الدينونة ومشهد رقاد العذراء... كل هذه العناصر توحي برمزية جنائزية ونذرية.
وفي الكنيسة أيضاً معالم مهمة أخرى تدفع بعدد كبير من السائحين إلى "تكبّد عناء التوجه إلى معاد" لرؤيتها. وتؤكد غالية أنها "تستقبل سنوياً عدداً كبيراً جداً من السواح الأجانب: من إيطاليا وإسبانيا وكندا وفرنسا وكل الدول... فهذه الكنيسة هي "القيمة الكبيرة لقريتنا".
وقد قال أحد الشعراء في معاد بمناسبة عيد مار شربل الرهاوي عام 1989: "وحدا الكنيسة بتختصر ضيعتنا"... وقد تكون هذه الكنيسة اختصاراً لحضارتنا أيضاً... ولتاريخ كاد الإهمال والجهل أن يمحيه.
0 comments:
إرسال تعليق