مقبرة أمنا حواء |
العربية ـ الرياض - خالد الشايع
دافع عدد من المهتمين ورجال الدين عن الآثار الإسلامية التي تقع في مكة المكرمة والمدينة المنورة مطالبين الجهات المعنية بحمايتها من خطر الهدم الذي يتهددها، مشددين على أن التراث الإسلامي بات على وشك الانقراض إذا ما تواصلت إزالته لأسباب يرونها واهية.
وعاد الحديث عن الآثار الإسلامية في المدينة المنورة ومكة المكرمة بعد تجدد مطالبات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإزالة سبعة مواقع أثريه بحجة أن بعض الناس يتبركون بها، وكانت من قبل طالبت بشكل رسمي بإزالة شاهد جبل الرحمة في عرفات حيث وقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع، للحجة ذاتها، على الرغم من وجود قرار رسمي يقضي بعدم إزالة أية مبان أو آثار إلا بعد معاينتها من وكالة الآثار، حتى تتمكن هيئة السياحة من تقويمها.
تخوف من الشرك والبدع
ومن أهم الأماكن التي طالبت الهيئة بإزالتها حسب تقارير صحافية موقع مولد النبي الكريم الذي تقع فوقه حاليا مكتبة مكة المكرمة جوار البيت الحرام، وموقع قبر والدة النبي الأكرم السيدة آمنة بنت وهب في منطقة الأبواء شمال مكة المكرمة وأيضاً تسوير جبل ثور وجبل الرحمة وجبل النور مع تغيير اسم مقبرة أمنا حواء الموجودة في مكة منذ أكثر من 3000 عام. مع منع الدخول إلى مقبرة المعلاء، وقبر ميمونة.
كما دعت لإغلاق مسجد البيعة بمشعر منى المكتشف حديثاً ضمن أعمال التوسعة في مشروع منشأة الجمرات الذي يعتقد أن النبي الكريم بايع الأنصار فيه.
وتلقى هذه الدعوات التأييد من بعض العلماء، حيث وافق العضو السابق في اللجنة الدائمة للافتاء والبحوث السعودية الدكتور عبدالله بن جبرين على هذه الدعوة وطالب بإزالة بعض الآثار وتسوير بعضها الآخر، منعاً للتبرك بها وخوفاً من حصول بدع تقود الى الشرك.
الأقل محافظة على التاريخ
ومن بين عشرات الآثار الإسلامية التي كانت تعج بها مكة المكرمة والمدينة المنورة لم يعد يبقى منها إلا القليل، بعد أن هدم الكثير منها لأسباب دينية خوفاً من التبرك بها أو لأسباب تجارية للاستفادة من موقعها لبناء فنادق او توسعة شوارع.
ويعترف الكاتب والإعلامي المهتم بالشؤون الإسلامية عبدالعزيز قاسم في حديثه لـ"العربية.نت" بعدم الاهتمام بالآثار الإسلامية، ويقول: "للأسف، عدم حفاظ المسلمين على آثارهم لا ينطبق على كل البلاد العربية بل في السعودية فقط".
ويؤكد قاسم أنه يجب التفريق بين الآثار المنسوبة للإسلام والأخرى التي تنسب إلى أقوام سابقة، ويقول: "يجب أن نفرق بين آثار لها بُعد ديني وبالذات ما يتعلق بالرسول (صلى الله عليه وسلم) وهذه يجب التأكد منها، والثانية التي هي من الأقوام السابقة كمدائن صالح وغيرها ولا ينبني عليها عبادة أو شرك، وهذه أتصور أن من المطلوب الاهتمام بها".
ويتابع: "كثير من الآثار النبوية تاريخها غير ثابت كبيت السيدة خديجة وبعض الأمور التي يزعم أنها مرتبطة بالرسول (صلى الله عليه وسلم) كمكان ولادته مثلاً، وهذه لا بأس في إزالتها إذا ما ثبت أنها غير صحيحة، أما الأمور اليقينية فلا إشكال في الحفاظ عليها لأنها تاريخ مهم".
ويطالب قاسم بعدم ترك خيار هدم الآثار الإسلامية لجهة واحدة مهما كانت تلك الجهة وأن يكون أي قرار يمس تلك الآثار عبر لجنة مكونة من عدة جهات، ويقول: "يجب أن تكون هناك لجنة مكونة من هيئة كبار العلماء وهيئة الآثار والسياحة والجهات التاريخية وأهل المنطقة لتبت في هذا الأمر، ولا يكون الأمر فردياً". ويضيف: "لا أميل إلى القرار الفردي بل يجب أن يكون جماعياً، والاستعانة ببعض الباحثين التاريخيين".
إزالة ما يؤدي إلى الشرك
ويطالب الساعون لحماية الآثار الإسلامية من الزوال بضرورة دراسة حالها من قبل لجان مختلفة وألا يركن للأمر عبر رأي جهة واحدة فقط، ويشدد الأستاذ المشارك بقسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور أحمد الباتلي على أهمية الحفاظ على الآثار الإسلامية بشرط إلا تؤدي إلى التبرك بها.
وقال لـ"العربية.نت": "إذا كان الأثر الإسلامي يؤدي إلى التبرك به فيجوز إزالته كما عمل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بشجرة الرضوان التي تمت تحتها بيعة الرضوان وذلك سداً للذرائع.. فلا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولكن إن ظلت مجرد أعلام أثرية فلا ضرر منها ويعرف أن هذا جبل أحد أو هذا غار حراء فلا حرج في بقائها".
ويعترف الباتلي بصعوبة أن يتم توعية كل زوار تلك الآثار: "من الصعب توعية ملايين الحجاج، فالجهود المبذولة في التوعية أقل بكثير من المطلوب فيحتاج إلى لغات متعددة ودعاة كثر، ولكن قد يقال إن الحل إيجاد حواجز أو موانع تمنع من وصول الناس لهذه الآثار كي لا يتبركوا بها، ويجعل عليه مثل السياج ويرى من خلاله كما هو الحال في غار حراء، المسألة تحتاج لمزيد من البحث والنظر".
ويرفض الباتلي اتهام المسلمين بأنهم الأقل حفاظ على آثارهم، ويشدد على أنه من غير المعقول الإبقاء على مساجد آيلة للسقوط، ويقول: "المسألة إذا كان يترتب على هذا الأثر أي معتقد شركي فيجب إزالته، وأيضاً إذا كان مجرد مسجد تعطلت منافعه وعلى وشك السقوط فالأفضل إزالته وبناء مسجد جديد يستفيد منه المسلمون. أما الآثار فيمكن أن ترمم وتبقى في مكانها فلا مانع شرعياً في ذلك، ولكن هناك مساجد في المدينة آيلة للسقوط وخطرة".
التوعية قبل الهدم
ويشدّد المهندس سامي بن صالح نوار، مدير عام السياحة والثقافة بأمانة محافظة جدة, على ضرورة مراجعة تلك الآثار واختبار التوعية والتعليم والردع بدلاً من الهدم.
ويقول: "خسرنا من آثارنا الإسلامية وسنخسر أكثر"، ويتابع: "نحن لا نوافق على الشرك ولا التبرك بهذه المواقع، ولكن أشدد على أنه من حق هذه البلاد المحافظة على تاريخها، الإزالة حل سهل، ولكن يجب علينا التوعية, والعمل سوياً ما بين الجهات المعنية بالسياحة والجهات الدينية سيكون صعباً لكنه الحل الأفضل".
كما يتفق عدد من العلماء على ضرورة الحفاظ على الآثار الإسلامية وألا يكون قرار الهدم هو الخيار الأول، ورفض عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان إزالة الآثار الإسلامية معتبراً أن هذا الأمر لو حصل سيحيل التاريخ الإسلامي عند الأجيال القادمة بما يشبه الأسطورة، وشدد على أن زيارة هذه الأماكن في الأصل مباحة بل تصل إلى السنة لما تحدثه من طاقة إيمانية نتيجة الربط بالمكان.
واعتبر أبوسليمان خلال تكريمه من قبل نادي الباحة الأدبي أن عدم حفاظ الأمة الإسلامية على آثارها، وبالأخص أماكن إقامة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، لا يمكن وصفه إلا بالعار عليها، داعياً إلى توظيف الآثار الباقية من أماكن ومواقع في خدمة الدعوة الإسلامية وربط الأجيال القادمة بدينهم، رافضاً قبول بعض الآراء الفقهية التي ترى أن هذه الأماكن والمواقع التاريخية الإسلامية ستؤدي إلى تصرفات شركية، مضيفاً: "حتى لو أزيلت فإن الاعتقادات الخاطئة ستظل موجودة".
وكان مفتي مصر الدكتور علي جمعة رفض في تصريحات صحافية سابقاً فكرة ازالة الآثار الإسلامية والنبوية لأنها من حق المسلمين جميعاً.
0 comments:
إرسال تعليق