يزعم منكري السنة إن الإمام البخاري رحمه الله قد ارتكب جناية في حق الإسلام بتدوينه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويتساءلون :(هل مات جميع المسلمين منذ وفاة النبى سنة (11) هجرية إلى ان ولد فضيلة الشيخ البخارى سنة (194) هجرية أى ما يقرب من (183) سنة, طوال هذه المده و بدون فهم القرآن كتاب الله تعالى والوصول الى تشريعات الاسلام الغامضة فى القرآن على حد قول من يعبدون البخارى ويظنون أنه لا فهم ولا وضوح للدين الا من خلال أحاديث البخارى الظنية ..؟؟) .
إن من يقرأ العبارة السابقة ويتابع الكثير من أقوال القرءانيين يتوهم أن الإمام البخاري -رحمه الله- قد ابتدأ فعلا لم يسبقه إليه أحد, وأنه كان سباقا إلى تدوين السنة ..
في هذا المقال لا أريد أن أتتبع تاريخ تدوين السنة بل أريد أن أوضح ان اتهام البخاري – والشرف أصبح تهمة!! – بأبتداء تدوين السنة اتهام باطل وينم عن عدم أمانة علمية كبيرة. والغرض منه إيهام بعض المسلمين الذين ليس لديهم ثقافة دينية أن المسلمين الأوائل عاشوا أكثر من 200 عاما لا يدونون أحاديث النبي ولا يتدارسونها ولا يعملون ويلتزمون بأحكامها حتي ولد البخاري سنة 194 هجرية وبدأ في تدوين السنة فأحدث الفتنة بين المسلمين وشغلهم بالأحاديث عن القرءان, وكأن هناك تعارضا بين الالتزام بالقرءان والأحاديث!! .
إن من الكتب المشهورة والتي يتقبلها المسلمون إلى اليوم بقبول حسن كتاب الإمام مالك (الموطأ) وقد ولد الإمام مالك سنة ثلاث وتسعين هجرية أي قبل ميلاد الإمام البخاري بمائة عام!.
وقد تتلمذ الإمام مالك على يد ربيعة المتوفي سنة 136 هجرية أي قبل ميلاد الإمام البخاري ب 58 عاما وقد أدرك ربيعة جماعة من الصحابة وروي عنهم .
وقد روي الإمام مالك عن ابن شهاب مائة واثنين حديثا وابن شهاب هذا هو الزهري ابن أبي بكر بن حزم وجده الأعلى عبد الله بن شهاب. رأي عشرة من صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم وروي عنهم . وبالطبع فقد ولد قبل الإمام مالك الذي ولد قبل الإمام البخاري بمائة عام – وإن لم أقف علي تاريخ ميلاده -
وقد روي الإمام مالك عن نافع ثمانين حديثا ويعد نافع من كبار التابعين وقد خدم مولاه ابن عمر ثلاثين عاما وروي عنه وعن أبي سعيد الخدري وعائشة وأم سلمة وأبي هريرة رضوان الله عليهم جميعا . وتوفي نافع بالمدينة سنة تسع وستين ومائة أي قبل ميلاد الإمام البخاري ب25 عاما .
وحين تولي الخلافة خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز – المتوفي سنة 101 هجرية أي قبل ميلاد الإمام البخاري ب 93 عاما - كان حريصا علي نشر حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم فبعث في كل مصر - بلد - إمام يعلمهم السنن واختار نافعا لمصر.
بل سبق هؤلاء جميعا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي كان يدون الأحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم وبإذن منه وكانت له صحيفة يطلق عليها : الصحيفة الصادقة .
فلماذا يصب القرءانيون غضبهم على الإمام البخاري وهو لم يبتدع شيئا وإنما سار علي نهج من سبقوه بأكثر من مائة عام وهم أعلام وتابعيين كبار عاصروا صحابة رسول الله رضوان الله عليهم؟!! .
ولماذا لا يتمتع القرءانيون بالأمانة العلمية في ذكر تاريخ تدوين السنة ؟!! .
ولماذا لا يتمتع القرءانيون بالشجاعة الأدبية ويهاجمون الإمام مالك والخليفة عمر بن عبد العزيز وكبار التابعين الذين حفظوا ودونوا احاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم قبل ميلاد الإمام البخاري بأكثر من مائة عام ؟!!.
إن كان منهج الإمام البخاري في البحث والتدقيق والتمحيص لا يعجبكم فأمامهم كتب الأحاديث الخمسة الأخري كمسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي ولكنهم لا يكذبون البخاري ولا يكذبون أي من رواة الحديث بل يكذبون الله حيث أمرهم باتباع النبي صلي الله عليه وسلم في قوله تعالي: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران : 31 وقوله تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنفال : 64 فلم يقولوا : (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) البقرة : 285 . بل قالوا (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) النساء : 46
إن من لا يتمتع بالأمانة العلمية ولا يتحلى بالشجاعة الأدبية لا يصح أن نأخذ ديننا عنه وقد قال الإمام علي : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
العزاء الذي نقدمة للإمام البخاري أن ذمه وقدحه يأتي ممن تبرأ منهم النبي صلي الله عليه وسلم لعصيانهم إياه تصديقا لقوله تعالي : (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) الشعراء : 215-216 .
وصدق من قال : وإذا جاءت مذمتي من ناقص …. فهي الشهادة لي بأني كامل .
Ma_elshamy@hotmail..com
0 comments:
إرسال تعليق